أدب الحوار
يفتقد العرب بصورة عامة إلى لغة الحوار، فنجد العصبية وعلو الصوت وسب وقذف من له رأى مخالف هو السمة المميزة للشعب العربى. وقد بدا ذلك منذ عدة سنوات فى البرنامج المشهور على قناة الجزيرة والمعروف باسم الإتجاه المعاكس، لدرجة أن المذيع لا يستطيع فى أغلب الحلقات تهدئة ضيوف البرنامج ودائما يقول قولته المشهورة "يا جماعة يا جماعة أرجوكم أرجوكم ..!
حتى فى الدول الغربية عندما تحدث مواجهة بين عربى وغير عربى تجد العصبية ظهرت فى الحال على وجه العربى، وقد لاحظت ذلك عندما كنت أدرس اللغة الألمانية فى معهد جوتة بألمانيا حيث كانت تحدث مناظرات بيننا نحن العرب والطرف الآخر وهم غير العرب من بولندا والمجر وفرنسا وأمريكا والصين واليابان. كنا ستة أفراد من مصر وتونس وفلسطين والمغرب وأثناء تلك المناظرات تغلب علينا العصبية ونكاد نتشاجر مع الطرف الآخر، أما غير العرب فنجدهم يناقشون أمورهم بمنتهى الهدوء وبدون عصبية، وبعد انتهاء المناقشة يعودوا أصدقاء حتى ولو ظاهرياً (ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم).
وفى مصر وبعد الثورة المباركة وبعد أن كان الناس فى كبت من حرية التعبير عن الرأى على مدار أكثر من ستون عاماً، بدأ الخلاف منذ الإستفتاء على التعديلات الدستورية. فمن قال "نعم" فهو مسلم وينتمى إلى الإخوان ومن قال "لا" فهو كافر وينتمى إلى الكنيسة. وإذا اختلف صديقان حميمان فى اختيار "نعم" أو "لا" بدا بينهما العداوة والبغضاء، وكيف لا وأحدهما مسلم والآخر كافر حسب التصنيف!
ونظرا لكثرة برامج التوك شو وظهور المناظرات فى التليفزيون ووسائل الإعلام سمعنا أساليب السب والشتم والإهانة والتعصب وكل ذلك بسبب الإختلاف فى الرأى. وأخيراً وفى انتخابات مجلس الشعب بدا السب والقذف بصورة واضحة جدا وعلى جميع المستويات. فتجد الألفاظ البذيئة على الإسلاميين ورفع الأحذية عليهم، ومن ناحية أخرى نجد اتهام كل من يدعى أنه ليبرالى بالكفر والإلحاد. حتى أن أساتذة الجامعات لم يسلموا من هذه الإهانات خصوصا بعد انتخابات نادى أعضاء هيئة التدريس جامعة القاهرة التى أجريت الأسبوع الماضى. فقد اتهم الأساتذة بأنهم جهلاء ولا يستطيعوا اختيار من يمثلهم تمثيلا جيداً. نفس الإتهام الذى اتهم به الشعب المصرى بعد انتخابات مجلس الشعب بأنه شعب أمى وجاهل سياسياً. ويرجع السبب فى ذلك إلى أن نتائج الإنتخابات لم تأت على هوى هؤلاء الذين يقذفون ويسبون بالرغم من مقولتهم المشهورة دائماً "الإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية"
إننا مقبلون على عصر جديد فى السياسة المصرية لذا يجب أن تتسع صدورنا أكثر من ذلك ويجب أن نستمع ونحترم رأى الطرف الآخر وأن نرضى بالواقع الموجود على الأرض. فالسياسة تتغير بين يوم وآخر. ولننظر إلى أمريكا تارة يفوز الديمقراطيون وتارة يفوزالجمهوريون ولم نسمع عن السب والقذف والشتائم التى نتبادلها فى مصر الآن. فخلال حكم الرئيس بوش الإبن اشتعلت الحروب فى كل الدول الإسلامية والتى مازالت آثارها مستمرة حتى الآن وكل العرب حكاماً وشعباً لم يكونوا راضين عن تصرفات هذا الرئيس، فهل اتهم أحد الشعب الأمريكى بأنه شعب جاهل أمى لم يستطع اختيار الحزب المناسب والرئيس المناسب؟
لذلك ولكى ننهض بهذا البلد لابد لنا من الوقوف جنبا إلى جنب وأن ننظر إلى مصلحة البلد أولاً وليس لمصلحة الحزب أو التيار الذى ننتمى إليه، وأن نتجنب القذف والسب والشتائم ونتهم بعضنا بالجهل السياسى، لننقد باحترام وأن يكون نقداً بناءاً لخدمة هذا الوطن ورفعة شأنه.