ابن دجلة
عدد المساهمات : 30 تاريخ التسجيل : 03/07/2011
| موضوع: اليقظة الإسلامية في فارسيات إقبال ج1 الأحد 03 يوليو 2011, 6:38 pm | |
| اليقظة الإسلامية في فارسيات إقبال ـــ صَادق آئينه وند كان المغفور له العلامة إقبال عظيماً في ذاته كريماً في عطائه، لقد أعطى بكلتا يديه وبكل لسان ولغة مقتضاه، فحاز شهرة أسرت آذان الناس وجذبت أنظارهم إلى آثاره وكتبه القيمة التي كتبها بيده ودبجها بيراعة لهم بلغاتهم الخاصة. أو بعبارة أخرى، لقد تحالفت الشهرة على إقبال من ثلاثة أركان بثلاث لغات: فاشتهر في بلاد الغرب بما انعكس من الثقافة الغربية في كتبه التي كتبها لهم بالإنجليزية. واشتهر في الشرق، أولاً في مسقط رأسه، فكان أمام قومه بما ناجى أرواحهم به من شعره وغذى عقولهم به من فكره بلغتهم الأم. وأخيراً عظم مقامه في إيران لمواكبته للثقافة الفارسية والتعشق بآدابها ولغتها وما قدم لها من آثار فنية رائعة وفكرية عظيمة. وهكذا، نشاهد أن شهرة إقبال قد ملكت الشرق والغرب وطبقت الخافقين.ثم إن الحكم على الخالدين موكول للزمان، فدليل العبقرية استمرارية الذكرى. وما اجتماعنا الليلة، بل ما اجتماع أمثالنا الأماكن الأخرى إلا اعتراف بنبوغه وفرصة نتحينها لنغترف من بحر عبقريته كؤوساً نجدد بها العهد مع عظيم من الخالدين على مسيرة البشرية نحو كمال الإنسانية. إقبال من ملكه عصره وملك عصره، على حد ما مدحه به كبير الشعراء إيران "ملك الشعراء بَهار" واعتبره نادرة العصر فقال: إن العصر الحاضر عصر إقبال | إنه الفذ الذي غطى على الأعلام |
والحديث عن العظيم يحتاج عظيماً، وما أنا بذلك العظيم، يحتاج سعة من الوقت وبسطاً وأنا والحمد لله لا وقت لي ولا مكنة. إلا أن الواقع في مقابل ذلك أن حرمان القلم من صلوات يرسلها إلى روح إقبال الحبيب أصعب على النفس من جهد العاجزين في الوفاء. فحسبي أن أشارك الطائفين ولو بلسمة كف على الحجر الأسود. حسبي أن أحصر كلامي في الجانب الفارسي.مقام إقبال في إيران:فأما عن مقام العلامة إقبال في إيران فبالغ الاحترام والتقدير، وبخاصة بعد نجاح الثورة الإسلامية التي لا تترك يداً كريمة بذلت في سبيل الإسلام والنهوض بالمجتمع الإسلامي إلا وأحصتها وقدرتها. فإقبال من وجهة نظر الثورة الإسلامية. من كبار الدعاة الإسلاميين الأحرار. كما أنه كان وما زال في نظر الإيرانيين الأخ العاطف المحتفظ بالروابط المقدسة والمواثيق الأخوية والعلاقات التاريخية بني الباكستان وإيران. ثم أولاً وأخيراً هو واحد من كبار شعراء الفارسية المعدودين فهو نجم من نجوم سماء العرفان اللامعة الذين نادوا بالمعرفة والحرية والنضال والجهاد، وحددوا أهداف الأمة الإسلامية ودفعوا الشعوب للحركة مثل مولوي وحافظ وعراقي والحلاج وسعدي. ممن قوّموا النفس الإنسانية عن طريق تحديد ذاتها وإمكاناتها وأهدافها الوجودية وحدائها إلى مقامها المحمود في الدنيا والآخرة.فأول مجموعة مستقلة من شعره الفارسي، مثنوي بعنوان "أسرار خودي" يعني "الأسرار الذاتية" حيث اكتشف أسرار نفسه ووقف على حقائق. وطبع هذا المثنوي سنة 1920(ألف وتسعمائة وعشرين) بمعرفة المستشرق المعروف نكلسن.وتعتبر هذه المجموعة أول أذان كبر لفجر إقبال.ويجمل بنا هنا أن نشير إلى أن عهد شبه القارة الهندية باللغة الفارسية كتابة ومخاطبة يرجع إلى ألف سنة. وأن الفارسية ظلت أكثر من سبعمائة سنة لغة رسمية لتلك البلاد، حتى إذا ما تدخل الاستعمار البريطاني فيها سنة 1834 م ألف وثمانمائة وأربع وثلاثين الميلادية)، احتلت الإنجليزية مكان الفارسية كلغة رسمية.تبحر إقبال في اللغة الفارسية:وكان كلف إقبال بالشعر الفارسي أمراً ملحوظاً، وقد صرح شخصياً في إحدى رسائله بولعه بهذا الشعر واجتهاده ومعاناته في سبيل إحراز مكانة فيه. أما أساتذته في الفارسية فمنهم، السيد مير حسن الرضوي السيالكوتي والدكتور سردار صلاح الدين السلجوقي من مشاهير أدباء الأفغان وكان صديقاً حميماً لإقبال. وكذلك صديقه الآخر العلامة الشيخ عبد العلي الطهراني الذي كان يقيم مع إقبال في مدينة لاهور. وكان إقبال بالنسبة لاستعمال التراكيب الفارسية بالغ الدقة والحساسية مما كان يدفعه إلى الاحتياط والرجوع إلى أساتذة اللغة أمثال غلام كرامي وجودري محمد حسين والسيد سليمان الندوي للتعرف على طبيعة التراكيب وحساسيتها في الاستعمال. أما أساتذته الإيرانيون فمنهم المرحوم سعيد نفيسي الأستاذ محمد محيط الطباطبائي اللذان يعتبران أساتذته الإيرانيين وقد كانت بينهم علاقات متينة ومكاتبات تاريخية ذات قيمة.وقد بلغ حب إقبال للفارسية حتى إذا في عروجه الخيالي إلى العوالم العلوية أنطق سكان المريخ باللغة الفارسية: أين همه خواب أست يا أفسونكرى | | بر لب مريخيان حرب دَرى | عجب أحلم هذا أم أنا مسحور | | أن الفارسية تنطق على شفاه أهل المريخ |
ويقول: كرجه هندي در عذوبت شكراست | | طرز كُفتار درى شيرين تراست | ولو أن الهندية في حلاوة السكر | | إلا أن الفارسية الدرية أحلى |
هذا مع ملاحظة أن هذه الأشعار كتبت في الفترة السابقة على الانفصال وظفر الباكستان الإسلامية باستقلالها وحريتها.ثم يعترف على نفسه فيقول: "إن الفارسية أقرب إلى مزاجي وسجيتي" بل ويسجل كتابة: "إنه أحياناً ما يتهيأ له أن روح خواجة حافظ تملي عليه وتمازجه" وهذا أمر طبيعي بالنسبة للتفاعل الباطني بين الشعراء.آثار إقبال الفارسية:أما آثاره التي كتبها واحتسبت للفارسية فهي على قسمين: شعر ونثر عبارة عن:1 ـ مثنوي "أسرار خودي" و"رموز بيخودي"، الأسرار الذاتية والرموز الذاتية. 2 ـ "بَيام مشر:" رسالة المشرق كتبها في جوابه على "جوته" في كتابه "الديوان الشرقي".3 ـ "زبور عجم" زبور العجم.4 ـ "جاويد نامه" الرسالة الخالدة.5 ـ "مسافر" المسافر.6 ـ "أرمغان حجاز" فيوضات الحجاز أو الفتوحات الحجازية.وأما النثر ففي كتابيه الفلسفيين القيمين اللذين وإن كانا قد كتبا أصلاً بالإنجليزية إلا أنهما ترجما إلى الفارسية وأصبحا كتابين لإقبال بالفارسية واعتبر ضمن الكتب الفارسية وتوارى الأصلان الإنجليزيان:"The Reconstriction Of Religious thaught in Islam"الذي ترجم بعنوان "أحياي فكر ديني در إسلام" بمعرفة أحمد آرام وقد راج رواجاً عظيماً والكتاب الآخر:"The Develipment Of Metaphysics in Persia"الذي ترجم بعنوان "بيشرفت ما وراي طبيعت در إيران" بمعرفة حسين آريان بور.والواقع أن العلامة إقبال يحظى في إيران بحياتين، إحداهما حياة فلسفية باعتباره فيلسوفاً وحكيماً إسلامياً مفكراً، والأخرى حياة أدبية باعتباره شاعراً ثورياً ومناضلاً عارفاً واعياً.أفكار إقبال:ولعل الفرصة قد حانت لنلقي نظرة عابرة نتعرف على أفكار إقبال ولو بصورة إجمالية من خلال أشعاره الفارسية. فنلاحظ أن أفكاره صارخة بضرورة اليقظة واستنهاض الهمم للانعتاق على محور يتلخص في أن الحياة هي الحركة وأن الموت هو السكون والجمود، هذه الفكرة التي صورها في شعره بأنواع الصور ورمز لها بأجمل الرموز. ساحل غديده كفت كرجه بسي زيستم | | آه نه معلوم شد هيج كه من كيستم | موج زخود رفته أي سخت خراميد وكَفت | | هسيم أكَر مى روم نروم نيستم | قال الساحل الحزين كم عشت طويلاً | | لم أعرف حتى الآن من أكون | فانثنى الموج دؤوباً عائداً يهتف | | إن وجودي بذهابي وفنائي في جمودي |
| |
|