ابن دجلة
عدد المساهمات : 30 تاريخ التسجيل : 03/07/2011
| موضوع: اليقظة الإسلامية في فارسيات إقبال ج2 الأحد 03 يوليو 2011, 6:43 pm | |
| ليقظة الإسلامية في فارسيات إقبال وكما رأينا فإن الشاعر أجرى الحوار بين الساحل والموج فرمز للجمود والتحجر بالساحل ورمز للحركة والنهوض بالموج في جيشانه وانطلاقه في حركته الذاتية ذاهباً آيباً يلطم الصخر ويجري ليعود ليلطمه ليل نهار طول الدهر كأنه في أرجوحة كلما اشتدت حركتها ازداد حيوية. فهو حي مادام متحركاً. بينما الساحل في أعماق الغفلة سكران ذاهل عن نفسه لا يعرف نفسه أو ما يجري عليه وذلك شأن الشعوب المستكينة المستسلمة التي لا تفكر في أن تجيش أو تتحرك أو تعرف نفسها.وعلى نفس المحور يقول: ميارا بزم بر ساحل كه آنجا | | نواي زندكَاني بزم خيز لست | بدريا غلت وبا موجش در آويز | | حيات جاودان اندرستيز است |
وإذا كان في البيتين السابقين أعلاه قد بين الفرق بين الحركة والسكون وعرض القضية كاملة. فإنه من الضروري أن يتخذ الخطوة العملية فتراه في هذين البيتين يأمر بالنهوض ينهى عن الاستسلام للركود فيقول: لا يستغرقنك محفل على الساحل | | فهناك جيشان الحياة يحتفل بك | عانق البحر وصارع أمواجه | | فحياة الخالدين في الصراع |
ويأخذ الدفع إلى الثورة عنده أشكالاً أخرى جميلة منها قوله: كفنتد فرود آي ز اوج مه وبر ويز | | بر خود زن وبا بحر ير آثوب بياميز |
فهو يأمر الإنسان أن يفك عقدة تعاليه واكتفائه بحرية خيالية يشع فيه غروراً ذاتياً موهوماً ويأمره بأن يكون واقعياً فيحطم ما يكبله من أغلاله الوهم وينزل من سمائه ويندمج مع البحر الهائج. وفي هذا دعوة للطبقات المتخلفة حتى تنزل لمستوى الكفاح الشعبي وتشارك الشعوب في حركتها الناهضة يقول لها: كفتند، أي قالوا. ومن أولئك الذين قالوا؟إنهم المجربون رواد الحياة الحق أمثاله من مشاعل الحرية. قالوا هبط من أوج سمائك من القمر والنجوم | | واستجمع نفسك واندمج مع البحر الهائج الصاخب | صراع الموج | | حياة آخرى | | متلألئة مليئة بالجواهر | |
ثم يميط اللثام عن السبب في التخلف وفساد الأوضاع الطبقية وانعدام العدالة الاجتماعية والتسلط والتحكم مستنهضاً الكادحين للثورة في كثير من المواقف، نشير إلى أحداها إذ يقول: خواجة از خون رك مزدور سازج لعل ناب | | از جفاى د هخدايان كَشت دهقانان خراب | | انقلاب، انقلاب، أي انقلاب | | يخمِّر الأرباب من دم عرق الأجير نبيذاً أحمر | | ان ظلم الأرباب خرب حياة العبيد | | ثورة... ثورة... نعم ثورة! | |
ويستفز الجيل المسلم القائم الذي يشبهه بالبرعم حديث التفتح للنهوض والتصدي للدفاع عن بيته المغتصب أو على الأصح عن حماه ووطنه السليب، ويطالبه بأن يفتح آذانه ويسمع هداية الهداة ويصحو على تكبير آذان الحرية ويدفئ أفكاره بأنفاس الروحانيين المخلصين للحق حتى يتوفر له الوعي بأهدافه فينضم إلى رواد القافلة التحريرية وطلائعها الثورية، ويدحروا كابوس النوم بسهام اليقظة. أى عنجهء خوابيده جونر كَس نكَران خيز | | كاشانهء مارفت بتاراج غمان خيز | از نالهء مرغ جمن، ازبانك اذان خيز | | از كَرمي هنكَامهِ آتش نفسان خيز | از خواب كَران، خواب كَران... | | خواب كَران خيز | أزخواب كَران خيز | | | أيها البرعم النائم انتفض فزعا | | اغتصب دارنا فانتفض حزنا | انهض على صوت الهداة على تكبير الآذان | | على حرارة اتحاد أصحاب الأنفاس القدسية | انتفض من النوم الثقيل...، | النوم الثقيل... | انتفض من النوم الثقيل | | ايه من النوم الثقيل انتفض | |
وكأنه يستعمل التكرار طبلا يدق به على رأس النيام حتى يتيقظوا. از خواب كَران | خواب كَران | خواب كَران خيز |
فإذا سأله ماذا؟من أين؟! من: | از هِند وسمرقند وعِراق وهمدان خيز | |
انتفضي يا أمة الإسلام في الهند في سمرقند في العراق في همدان في كل مكان انتفضي تيقظي من نومك الثقيل.وبعد هذه العمومية يعود إلى الإنسان بالذات فيطالبه بأن تكون له قوة الموج وعرامة الطوفان، وأن يثور على الحياة الهامشية ويتمرد على الفراغية والركود والعزلة والتحوصل، وأن يطفر بنفسه من بؤر العفن التي تنحل فيها نخوته ومباءات الترف التي تميع شخصيته، ويخرج لصيد النمر فيضرب خيمته في الجبال والفلوات وبذلك يحرّشه للقضاء على عدوه النمر بعد أن يتحرر في عوامل التخلف والانهزامية: جوموج مست خودي باش وسربه طوفان كش | | تراكه كَفت كه بنشين ويا بدامان كش | به قصد صيد بلنك از جمن سرابر خيز | | بكوه رخت كَشا، خيمه در بيابان كش |
يقول: اسكر سكرة الموج بنفسه، ولتكن طوفاناً | | من قال لك اقعد وتربع؟! | انهض لصيد النمر وانتفض من بؤر العفن | | رابط في الجبل واضرب خيمتك في الصحراء |
وهذا القائد العظيم، لا تغيب عنه صورة الشهداء ولا حقوقهم على الأحياء فهم يحتلون خياله دائماً في صورة الشقائق. ولن يهدأ هذا الدم ما لم تتحقق الأماني التي دفعوا لها أرواحهم، وعليه، فدمهم أمانة في ذمة الأحياء. ولهذا فإن الحرب لا يمكن أن تضع أوزارها إلا بعد تحقق النصر فالمعمعان على أشده والدروع لا زالت في الأيدي، فكيف يتفق مع العقل أن أوراق الشقائق ما زالت تتقاطر بدماء الشهداء المكفنين بها ثم تلقي الدروع وتتربع في خيمة الصمت على الساحل النعسان.إن المسألة دوامة الماء التي تلفنا وتمنطقنا مسألة التمساح الكامن في الدوامة والمبارزة سجال والدوامات يقظة تتحين الفرصة للانقضاض عليك. أن تماسيح الاستعمار والاستكبار والاستثمار ودوامة الفتنة تترقب بك الدوائر: لا لهء اين جمن آلودهء رنك است، هنوز | | سبرازدست ميند از كه است هنوز | أي كه آسوده لب ساحل برخيز | | كه ترا كار به كرد اب ونهنك هنوز |
يقول: شقايق هذا المرج ما زالت تنضح بالدم | | لا تلق الدرع من يدك ما زالت الحرب دائرة | يا خالي البال تتربع على الساحل انهض | | فإن الصراع مازال دائراً مع الدوامة والتمساح |
هذا، وتتجلى في شعر إقبال قيم أخلاقية وتربوية عظيمة فطالما أشار إلى أسرار الاعتماد على النفس والاستفادة من القوى الكامنة في الإنسان المسلم. فيطالبه بأن يطابق بين معرفة الكون ومعرفته بنفسه. بمعنى أن يدرك الإنسان حقيقة عالمه الباطني، فالغفلة عنه غفلة عن مصدر القوى الهائلة الكامنة فيه الممنوح له حتى يستخدمها، هذه الغفلة التي تؤدي إلى التعطل والشلل والفساد. فإقبال لا يقصر نظر الإنسان على السير الآفاقي بل يزاوج بينه وبين السير الأنفسي أيضاً فالمسيرتان تتم إحداهما الأخرى وهما معاً قدماً المعرفة وسلم العروج.ومن أفكاره التربوية العميقة، نظرته إلى الموت. فالموت في نظره ليس شيئاً مخيفاً. لأن الإنسان لا يفنى. فالمجاهد الحق في نظر إقبال حريص مشوق إلى لقاء الموت. إنه هو الذي يكمن للموت حتى يظفر به لا الموت، هو الذي يلاحقه حتى يأخذه مهما هرب منه فحياه العارف مسيرة هادفة إلى أن يصل إلى الموت بنفسه. فمن يحرص على الموت توهب له الحياة، لأن الموت واسطة انتقال وحركة عالم سفلي إلى عالم علوي. ثم إن الكريم لا يسلب ما وهب. فالموت إذن حياة. أما الموت الحقيقي في نظره، فهو موت القلب هو عدم اليقين عدم الإيمان بالحياة الأخرى والاندفان في قبر الملاذ الدنيوية ومدفن الشهوات الزائلة.يقول: بيني جهان راد خود را نبيني | | تا جند نادان غافل نشيني | نور قديمي شب رابر افروز | | دست كليمي در آستيني | بيرون قدم نه ازدور آفاق | | توبيش از يني توبيش كميني | جاني كه بخشند ديكَر نكيرند | | آدم بميرد ازبي يقيني |
يقول: انظر إلى الكون لا تقصر النظر على ذاتك | | حتام يا جاهل تجلس غافلا | نوّر الليل بنور القدم | | شاهد يد الكليم (ع) في جناحك | اعبر بقدمك نطاق المادة | | أنت أكبر من هذا أنت أكبر منها | أتخاف الموت أيها الحي الخالد | | ما الموت إلا صيد وأنت له في الكمين | فالروح التي وهبت لا تسترد | | إنما يموت الآدمي من عدم اليقين |
| |
|